فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{حم} بتفخيم الألف وتسكين الميم، وقرأ ابن عامر برواية ذكوان، وحمزة والكسائي وأبو بكر بالإمالة الصريحة، ونافع برواية ورش وأبو عمرو بالإمالة بين بين، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بفتح الميم على التحريك لالتقاء الساكنين بالفتحة للخفة كما في أين وكيف، وجوز أن يكون ذلك نصبًا بإضمار اقرأ ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه بمعنى السورة أو للعلمية وشبه العجمة لأن فاعيل ليس من أوزان أبنية العرب وإنما وجد ذلك في لغة العجم كقابيل وهابيل، ونقل هذا عن سيبويه.
وفي الكشف أن الأولى أن يعلل بالتعريف والتركيب.
وقرأ أبو السمال بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين كما في جيز: والزهري برفعها والظاهر أنه إعراب فهو إما مبتدأ أو خبر مبتدأ محذوف، والكلام في المراد به كالكلام في نظائره، ويجمع على حواميم وحاميمات أما الثاني فقد أنشد فيه ابن عساكر في تاريخه:
هذا رسول الله في الخيرات ** جاء بياسين وحاميمات

وأما الأول فقد تقدم عدة أخبار فيه ولا أظن أن أحدًا ينكر صحة جميعها أو يزعم أن لفظ حواميم فيها من تحريف الرواة الأعاجم؛ وأيضًا أنشد أبو عبيدة:
حلفت بالسبع إلا لى تطولت ** وبمئين بعدها قد أمئيت

وبثمان ثنيت وكررت ** وبالطواسين اللواتي تليت

وبالحواميم اللواتي سبعت ** وبالمفصل التي قد فصلت

وذهب الجواليقي والحريري وابن الجوزي إلى أنه لا يقال حواميم، وفي الصحاح عن الفراء أن قول العامة الحواميم ليس من كلام العرب، وحكى صاحب زاد المسير عن شيخه أبي منصور اللغوي أن من الخطأ أن تقول: قرأت الحواميم والصواب أن تقول قرأت آل حم، وفي حديث ابن مسعود إذا وقعت في آل حم فقد وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن، وعلى هذا قول الكميت بن زيد في الهاشميات:
وجدنا لكم في آل حم آية ** تأولها منا تقي ومعرب

والطواسين والطواسيم بالميم بدل النون كذلك عندهم، وما سمعت يكفي في ردهم.
نعم ما قالوه مسموع مقبول كالذي قلناه لكن ينبغي أن يعلم أن آل في قولهم آل حم كما قال الخفاجي ليس بمعنى الآل المشهور وهو الأهل بل هو لفظ يذكر قبل ما لا يصح تثنيته وجمعه من الأسماء المركبة ونحوها كتأبط شرًا فإذا أرادوا تثنيته أو جمعه وهو جملة لا يتأتى فيها ذلك إذ لم يعهد مثله في كلام العرب زادوا قبله لفظة آل أو ذوا فيقال: جاءني آل تابط شرًا أو ذواتًا بط شرًا أي الرجلان أو الرجال المسمون بهذا الاسم، فآل حم بمعنى الحواميم وآل بمعنى ذو، والمراد به ما يطلق عليه ويستعمل فيه هذا اللفظ وهو مجاز عن الصحبة المعنوية، وفي كلام الرضى وغيره إشارة إلى هذا إلا أنهم لم يصرحوا بتفسيره فعليك بحفظه، وحكي في الكشف أن الأولى أن يجمع بذوات حم أي دون حواميم أو حاميمات ومعناه السور المصحوبات بهذا اللفظ أعني حم.
{تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم} الكلام فيه إعرابًا كاكلام في مطلع سورة الزمر بيد أنه يجوز هنا أن يكون {تَنزِيلَ} خبرًا عن {حم} ولعل تخصيص الوصفين لما في القرآن الجليل من الإعجاز وأنواع العلوم التي يضيق عن الإحاطة بها نطاق الأفهام أو هو على نحو تخصيص الوصفين فيما سبق فإن شأن البليغ عمله بالأشياء أن يكون حكيمًا إلا أنه قيل {العليم} دون الحكيم تفننا {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِى الطول} صفات للاسم الجليل كالعزيز العليم، وذكر {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب وَذِى الطول} للترغيب وذكر {شَدِيدُ العقاب} للترهيب والمجموع للحث على المقصود من {تَنزِيلُ الكتاب} [غافر: 2] وهو المذكور بعد من التوحيد والإيمان بالبعث المستلزم للإيمان بما سواهما والإقبال على الله تعالى، والأولان منها وإن كانا اسمي فاعل إلا أنهما لم يرد بهما التجدد ولا التقييد بزمان بل أريد بهما الثبوت والاستمرار فاضافتهما للمعرفة بعدهما محضة اكسبتهما تعريفًا فصح أن يوصف بهما أعرف المعارف، والأمر في {ذِى الطول} ظاهر جدًّا.
نعم الأمر في {شَدِيدُ العقاب} مشكل فإن شديدًا صفة مشبهة وقد نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة إذا أضيف إلى معرفة جاز أن ينوي بإضافته التمحض فيتعرف وينعت به المعرفة إلا ما كان من باب الصفة المشبهة فإنه لا يتعرف ومن هنا ذهب الزجاج إلى أن {شَدِيدُ العقاب} بدل، ويرد عليه أن في توسيط البدل بين الصفات تنافرًا بينا لأن الوصف يؤذن بأن الموصوف مقصود والبدل بخلافه فيكون بمنزلة استئناف القصد بعد ما جعل غير مقصود، والجواب أنه إنما يشكل ظاهرًا على مذهب سيبويه وسائر البصريين القائلين بأن الصفة المشبهة لا تتعرف أصلًا بالإضافة إلى المعرفة، وأما على مذهب الكوفيين القائلين بأنها كغيرها من الصفات قد تتعرف بالإضافة ويجوز وصف المعرفة بها نحو مررت بزيد حسن الوجه فلا، ويقال فيما ذكر على المذهب الأول: إن {شَدِيدًا} مؤول بمشدد اسم فاعل من أشده جعله شديدًا كاذين بمعنى مئذن فيعطي حكمه، أو يقال: إنه معرف بال والأصل الشديد عقابه لكن حذفت لأمن اللبس بغير الصفة لوقوعه بين الصفات واحتمال كونه بدلًا وحده لا يلتفت على ما سمعت إليه ورعاية لمشاكلة ما معه من الأوصاف المجردة منها والمقدر في حكم الموجود، وقد غيروا كثيرًا من كلامهم عن قوانينه لأجل المشاكلة حتى قالوا: ما يعرف سحادليه من عنادليه أرادوا ما يعرف ذكره من أنثييه فثنوا ما هو وتر لأجل ما هو شفع، وجوز كون جميع التوابع المذكورات أبدالًا وتعمد تنكير {شَدِيدُ العقاب} وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر لزيادة الإنذار.
وفي الكشف جعل كلها أبدالًا فيه تنافر عظيم لاسيما في إبدال {العزيز} من {الله} الاسم الجامع لسائر الصفات العلم النص وأين هذا من براعة الاستهلال؟ وذهب مكي إلى جوز كون {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} دون ما قبلهما بدلين وانهما حئنئذ نكرتان، وقد علمت ما فيه مما تقدم، وقال أبو حيان: إن بدل البداء عند من أثبته قد يتكرر وأما بدل كل من كل وبدل بعض من كل وبدل اشتمال فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل من البدل جائز دون تعدد البدل واتحاد المبدل منه، وظاهر كلام الخفاجي أن النحاة صرحوا بجواز تعدده حيث قال: لا يرد على القول الإبدال قلة البدل في المشتقات، ولا أن النكرة لا تبدل من المعرفة ما لم توصف، ولا أن تعدد البدل لم يذكره النحاة كما قيل لأن النحاة صرحوا بخلافه في الجميع، وللدماميني فيه كلام طويل الذيل في أول شرح الخزرجية لا يسعه هذا المقام فإن أردته فانظر فيه انتهى.
وعندي أن الإبدال هنا ليس بشيء كلا أو بعضًا، و{التوب} يحتمل أن يكون مصدرًا كالأوب بمعنى الرجوع ويحتمل أن يكون اسم جمع لتوبة كتمر وتمره، و{الطول} الفضل بالثواب والأنعام أو بذلك وبترك العقاب المستحق كما قيل وهو أولى من تخصيصه بترك العقاب وإن وقع بعد {شديد العقاب} وكون الثواب موعودًا فصار كالواجب فلا يكون فضلًا ليس بشيء فإن الوعد به ليس بواجب، وفسره ابن عباس بالسعة والغني، وقتادة بالنعم، وابن زيد بالقدرة، وتوسيط الواو بين {غافر الذنب وقابل التوب} لإفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل سبحانه توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها مجاءة للذنب كأنه لم يذنب كأنه قيل: جامع المغفرة والقبول قاله الزمخشري، ووجه كما في الكشف أنها صفات متعاقبة بدون الواو دالة على معنى الجمع المطلق من مجرد الاجراء فإذا خصت بالواو احدى القرائن دل على أن المراد المعتبر فيها وفيما تقدمها خاصة صونًا لكلام البليغ عن الالغاء، ففي الواو هنا الدلالة على أنه سبحانه جامع بين الغفران وقبول التوب للتائب خاصة، ولا ينافي ذلك أنه عز وجل قد يغفر لمن لم يتب، وما قيل: إن التوسيط يدل على أن المعنى كما أخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن غافر الذنب لمن لم يتب وقابل التوب لمن تاب فغير مسلم، والتغاير الذي يذكرونه بين موقع الفعلين وهما غفران الذنب وقبول التوبة عنه المقتضى لكون الغفران بالنسبة إلى قوم والقبول بالنسبة إلى آخرين إذ جعلوا موقع الأول الذنب الباقي في الصحائف من غير مؤاخذة وموقع الثاني الذنب الزائل الممحو عنها حاصل مع الإجراء فلا مدخل للواو، ثم ما ذكر من الوجه السابق جار على أصلي أهل السنة والمعتزلة فلا وجه لرده بما ليس بقادح وإيثار ما هو مرجوح، وتقديم الغافر على القابل من باب تقديم التخلية على التحلية فافهم.
وفي القطع بقبول توبة العاصي قولان لأهل السنة.
وفي البحر الظاهر من الآية أن توبة العاصي بغير الكفر كتوبة العاصي به مقطوع بقبولها، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفاته تعالى الدالة على الرحمة دليل على زيادة الرحمة وسبقها فسبحانه من إله ما أرحمه وأكرمه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فيجب الإقبال الكلي على طاعته في أوامره ونواهيه {إِلَيْهِ المصير} فحسب لا إلى غيره تعالى لا استقلالًا ولا اشتراكًا فيجازي كلا من المطيع والعاصي، وجملة {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} مستأنفة أو حالية، وقيل: صفة لله تعالى أو لشديد العقاب، وفي الآيات مما يقتضي الاتعاظ ما فيها.
أخرج عبد بن حميد عن يزيد بن الأصم أن رجلًا كان ذا بأس وكان من أهل الشام وأن عمر رضي الله تعالى عنه فقده فسأل عنه فقيل له: تتابع في الشراب فدعا عمر كاتبه فقال له: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو بسم الله الرحمن الرحيم {حم} إلى قَوْلُهُ تعالى: {إِلَيْهِ المصير} وختم الكتاب، وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده ماحيًا ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني ربي أن يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها على نفسه حتى بكي ثم نزع فأحسن النزوع فلما بلغ عمر توبته قال: هكذا فافعلوا إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه ووقفوه وادعوا الله تعالى أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانًا للشياطين عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{حم (1)} القول فيه كالقول في نظائره من الحروف المقطّعة في أوائل السور، وأن معظمها وقع بعده ذكر القرآن وما يشير إليه لِتحدّي المنكرين بالعجز عن معارضته.
وقد مضى ذلك في أول سورة البقرة وذكرنا هنالك أن الحروف التي أسماؤها ممدودة الآخِر يُنطق بها في هذه الفواتح مقصورة بحذف الهمزة تخفيفًا لأنها في حالة الوقف مثل اسم حا في هذه السورة واسم را في أَلر واسم يا في يس.
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)} القول فيه كالقول في فاتحة سورة الزمر.
ويُزاد هنا أن المقصود بتوجيه هذا الخبر هم المشركون المنكرون أن القرآن منزل من عند الله.
فتجريد الخبر عن المؤكد إخراج له على خلاف مقتضى الظاهر بجعل المنكِر كغير المنكر لأنه يحف به من الأدلة ما إِنْ تَأَمَّلَه ارتدع عن إنكاره فما كان من حقه أن ينكر ذلك.
{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} أجريت على اسم الله ستة نعوت معارفُ، بعضُها بحرف التعريف وبعضها بالإضافة إلى معرّف بالحرف.
ووصْفُ الله بوصفي {العَزِيز العَليم} [غافر: 2] هنا تعريض بأن منكري تنزيل الكتاب منه مغلوبون مقهورون، وبأن الله يعلم ما تكنّه نفوسهم فهو محاسبهم على ذلك، ورَمْزٌ إلى أن القرآن كلام العزيز العليم فلا يقدر غير الله على مثله ولا يعلم غير الله أن يأتي بمثله.
وهذا وجه المخالفة بين هذه الآية ونظيرتها من أول سورة الزمر التي جاء فيها وصف {العَزِيز الحكيم} [الزمر: 1] على أنه يتأتى في الوصف بالعلم ما تأتَّى في بعض احتمالات وصف {الحكيم} في سورة الزمر، ويتأتى في الوصفين أيضًا ما تَأَتَّى هنالك من طريقي إعجاز القرآن.
وفي ذكرهما رمز إلى أن الله أعلم حيث يجعل رسالَته وأنه لا يجاري أهواء الناس فيمن يرشحونه لذلك من كبرائهم {وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31].
وفي إِتْباع الوصفين العظيمين بأوصاف {غافر الذنب وقَابِل التَّوْب شَديد العِقاب ذِي الطَّول} ترشيح لذلك التعريضضِ كأنه يقول: إن كنتم أذنبتم بالكفر بالقرآن فإن تدارك ذنبكم في مكنتكم لأن الله مقرَّر اتصافه بقبول التوبة وبغفران الذنب فكما غفر لمن تابوا من الأمم فقبل إيمانهم يغفر لمن يتوب منكم.
وتقديم {غافر} على {قابل التوب} مع أنه مرتب عليه في الحصول للاهتمام بتعجيل الإِعلام به لمن استعدّ لتدارك أمره فوصفُ {غافر الذنب وقابل التوب} تعريض بالترغيب، وصِفتا {شَدِيد العقاب ذِي الطَّول} تعريض بالترهيب.
والتوبُ: مصدر تاب، والتوب بالمثناة والثوب بالمثلثة والأَوْب كلها بمعنى الرجوع، أي الرجوع إلى أمر الله وامتثاله بعد الابتعاد عنه.
وإنما عطفت صفة {وقَابِل التَّوْب} بالواو على صفة {غَافِر الذنب} ولم تُفْصَل كما فُصِلت صفتا {العليمِ} [غافر: 2] {غافرِ الذنب} وصفة {شديد العقاب} إشارة إلى نكتة جليلة وهي إفادة أن يجمَع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيجعلها له طاعة، وبين أن يمحو عنه بها الذنوب التي تاب منها وندِم على فعلها، فيصبحَ كأنه لم يفعلها.
وهذا فضل من الله.
وقوله: {شديد العقاب} إفضاء بصريح الوعيد على التكذيب بالقرآن لأن مجيئه بعد قوله: {تنزيلُ الكِتَاب مِن الله} [غافر: 2] يفيد أنه المقصود من هذا الكلام بواسطة دلالة مستتبعات التراكيب.
والمراد ب {غافر} و{قابل} أنه موصوف بمدلوليهما فيما مضى إذ ليس المراد أنه سيغفر وسيقبل، فاسم الفاعل فيهما مقطوع عن مشابهة الفعل، وهو غير عامل عمَل الفعل، فلذلك يكتسِبُ التعريف بالإِضافة التي تزيد تقريبه من الأسماء، وهو المحمل الذي لا يناسب غيرُهُ هنا.
و{التوب} صفة مشبَّهة مضافة لفاعلها، وقد وقعت نعتًا لاسم الجلالة اعتدادًا بأن التعريف الداخل عَلى فاعل الصفة يقوم مقام تعريف الصفة فلم يخالَف ما هو المعروف في الكلام من اتحاد النعت والمنعوت في التعريف واكتساب الصفة المشبهة التعريفَ بالإِضافة هو قول نحاة الكوفة طردًا لباب التعريف بالإضافة، وسيبَويه يجوز اكتساب الصفات المضافةِ التعريفَ بالإِضافة إلاّ الصفة المشبهة لأن إضافتها إنما هي لفاعلها في المعنى لأن أصل ما تضاف إليه الصفة المشبهة أنه كان فاعلًا فكانت إضافتها إليه مجرد تخفيف لفظي والخطب سهل.
والطوْل يطلق على سعة الفضل وسعة المال، ويطلق على مطلق القدرة كما في القاموس، وظاهرُه الإِطلاقُ وأقره في تاج العروس وجعله من معنى هذه الآية، ووقوعُه مع {شديد العقاب} ومزاوجتها بوصفي {غافر الذنب وقابل التوب} ليشير إلى التخويف بعذاب الآخرة من وصف {شديد العِقَاب} وبعذاب الدنيا من وصف {ذِي الطَّوْل} كقوله: {أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون} [الزخرف: 42]، وقوله: {قل إن اللَّه قادر على أن ينزل آية} [الأنعام: 37].
وأعقب ذلك بما يدل على الوحدانية وبأن المصير، أي المرجع إليه تسجيلًا لبطلان الشرك وإفسادًا لإِحالتهم البعث.
فجملة {لا إله إلاَّ هو} في موضع الصفة، وأتبع ذلك بجملة {إليه المَصِير} إنذارًا بالبعث والجزاء لأنه لما أجريت صفات {غَافِر الذَّنب وقَابِل التَّوببِ شَدِيد العِقَاب} أثير في الكلام الإِطماعُ والتخويفُ فكان حقيقًا بأن يشعروا بأن المصير إما إلى ثوابه وإما إلى عقابه فليزنوا أنفسهم ليضعوها حيث يلوح من حالهم.
وتقديم المجرور في {إليه المَصِيرُ} للاهتمام وللرعاية على الفاصلة بحرفين: حرف لين، وحرف صحيح مثل: العليم، والبلاد، وعقاب.
وقد اشتملت فاتحة هذه السورة على ما يشير إلى جوامع أغراضها ويناسب الخوض في تكذيب المشركين بالقرآن ويشير إلى أنهم قد اعتزوا بقوتهم ومكانتهم وأن ذلك زائل عنهم كما زال عن أمم أشد منهم، فاستوفت هذه الفاتحة كمال ما يطلب في فواتح الأغراض مما يسمى براعة المطلع أو براعة الاستهلال. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
سورة المؤمن:
قوله جل ذكره {بسم الله الرحمن الرحيم}.
{بسم الله} كلمة من تحقق بها شرف من الحق مناله، وصفت عنده أحواله، وخلع على نفسه رداء الأفضال، وألبس قلبه جلال الإقبال، وأفرد روحه بروح لطف الجمال، واستخلص سره بكشف وصف الجلال.
قوله جل ذكره {حم} أي حُمَّ أمرٌ كائن. ويقال الحاء إشارة إلى حِلْمِه والميم إشارة إلى مجده أي: بحِلْمي ومجدي لا أُخَلِّدُ في النار مَنْ آمنَ بي.
ويقال هذه الحروف مفاتح أسمائه.
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)} {العزيز} المُعزِّ لأوليائه، {العليم} بما كان ويكون منهم، فلا يمنعه عِلمُه لما سَلَفَ منهم عن قضائه.
{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} كتابٌ مُعَنْوَنٌ بقبول توبته لِعِبادَه؛ عَلِمَ أنّ العاصيَ مُنكَسِرُ القلبِ فأزال عنه الانكسارَ بأن قدَّمَ نصيبه، فقدَّم اسمَه على قبول التوبة. فَسَكَّنَ نفوسَهم وقلوبَهم باسْمِيْنِ يُوجِبَان الرجاء؛ وهما قولُه: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}.
ثم عقبها بقوله: {شَدِيدِ الْعِقَابِ} ثم لم يرض حتى قال بعدئذٍ {ذِى الطَّولِ}.
فيُقَابِلَ قوْلَه: {شَدِيدِ الْعِقَابِ}.
قوله: {ذِى الطَّوْلِ}.
ويقال: غافرُ الذنبِ لِمَنْ اصَرَّ واجْتَرَمَ، وقابلُ التوبِ لمن أقَرَّ ونَدِمَ، شديد العقاب لِمَنْ جَحَدَ وَعَنَدَ، ذِي الطول لمن عَرَفَ ووَحَد.
ويقال غافر الذنب للظالمين، وقابل التوب للمقتصدين، شديد العقاب للمشركين، ذي الطول للسابقين.
ويقال: سُنَّةُ الله أنه إذا خَوَّفَ العبادَ باسمٍ أو لفظٍ تدَاركَ قلوبهم بأن يُبشِّرَهم باسْمَيْن أو بوَصْفين.
{إلَيْهِ الْمَصِيرُ} وإذا كان إليه المصير فقد طاب إليه المسير. اهـ.